أخبار وتقارير

نتائج التحقيقات الأولية مع المعتقلين على ذمة محاولة الاستيلاء الثانية على وزارة الدفاع

تقرير: نبيل سبيع

لم يكن منفذو محاولة الاستيلاء الأخيرة على وزارة الدفاع في العاصمة صنعاء من أفراد اللواء الثاني مشاة جبلي فقط كما تقول الرواية السائدة التي تداولتها مختلف وسائل الاعلام المحلية والخارجية، بل شارك فيها افراد تابعون لألوية الحرس الجمهوري المتواجدة في صنعاء وأخرون.

وهذا لا يمثل سوى رأس جبل الجليد الذي يشكل قصة واحدة من أكبر الفضائح العسكرية والسياسية التي شهدتها اليمن منذ عقود كما تكشف عنها نتائج التحقيقات الأولية وغير المعلنة مع المتمردين المعتقلين لدى الشرطة العسكرية.

وكان مئات من افراد اللواء الثاني مشاة جبلي (حرس جمهوري) في لودر أبين أعلنوا تمردهم على قرارات الرئيس عبد ربه منصور هادي، القاضية بفصل تبعية لواءهم عن قيادة الحرس الجمهوري، ونقلها إلى قيادة المنطقة الجنوبية، وغادروا مواقعهم إلى صنعاء، حيث نفذوا حركة تمرد، تمثلت في محاولتي استيلاء على مقر وزارة الدفاع، أخرها يوم الثلاثاء الموافق 14 أغسطس الجاري، وهما العمليتان اللتان بررتهما قيادة الحرس الجمهوري، باعتبارهما احتجاجات مطلبية مشروعة، قبل أن تتراجع عن موقفها تحت ضغط الانتقادات والاتهامات الموجهة إليها، بالوقوف وراء التمرد في بعض وسائل الاعلام.

 

وتراجعت قيادة الحرس من التأييد الضمني للمتمردين في أول موقف معلن لها عقب عملية الاقتحام الأولى، إلى التبرؤ منهم واتهام أطراف لم تسمها، تستهدف الإساءة لها، كما قالت في أخر موقف لها عشية عيد الفطر.

غير أن هذا التراجع بدأ بمثابة محاولة للتنصل العلني من نتائج التحقيقات الأولية وغير المعلنة، التي كانت الشرطة العسكرية قد قطعت شوطا فيها حتى عشية العيد، وهي النتائج التي أكدت تورط قيادة الحرس الجمهوري، في دعم التمرد على أعلى المستويات، كما تفيد هنا أول معلومات تفصيلية تحصلت عليها الصحافة.

وأزاحت مصادر خاصة وموثوقة الستار، عن أن الشرطة العسكرية حصلت على اعترافات هامة، من المشاركين في محاولة الاستيلاء الثانية على وزارة الدفاع، الذين تمكنت من إلقاء القبض عليهم، وهي اعترافات كفيلة بقلب قصة التمرد السائدة رأسا على عقب.

 

هذا التقرير يسعى إلى تسليط الضوء على قصة التمرد العسكري من مختلف جوانبها، ويعيد صياغة القصة على أبرز ما توصل إليه المحققون، بناء على ما حصلت عليه "الشارع" من معلومات خاصة حول نتائج التحقيقات الأولية.

وكان مئات العسكريين من اللواء الثاني مشاة جبلي، غادروا معسكر 48 (السواد) بأسلحتهم صباح 14 أغسطس، باتجاه وزارة الدفاع بمنطقة "باب اليمن" حيث قاموا بتطويق المكان، واشتبكوا مع الحراس وقوات تابعة للشرطة العسكرية واللواء الرابع مدرع، قدمت لتعزيز أفراد حماية المقر قرابة خمسة ساعات، قبل أن تتمكن الاخيرة من انهاء التمرد.

وقالت السلطات أن قوات الأمن والجيش، تمكنت من اجهاض محاولة الاستيلاء على الوزارة، واعتقلت العشرات من المتمردين، بعد أن طاردت غالبيتهم في الشوارع والأزقة المحيطة.

معلومات هذا التقرير لا تنفي المعلومات الرسمية المتعلقة بمطاردة المتمردين بعد اعتقال العشرات منهم، لكنها تكشف عن ان قوات الأمن والجيش، لم تتمكن من انهاء التمرد، إلا بعد أن نفذت الذخيرة لدى المتمردين، الذين وقعوا كما يبدو بين فكي كماشة: حراس مقر الوزارة وتعزيزات القوات العسكرية والواء الرابع.

وتمكنت قوات الأمن والجيش من إلقاء القبض على مجموعة من المشاركين في التمرد، حددت اللجنة العسكرية عددهم بـ"62" معتقلا، بحسب التصريحات التي ادلى بها عضو اللجنة علي سعيد عبيد، لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية.

غير ان هذا لا يمثل عدد المعتقلين لدى الشرطة العسكرية، طبقا لمعلومات هذا التقرير التي تفيد بأن عددهم هو: 72 معتقلا.

ولم تقدم المصادر سببا للأسباب التي وقفت وراء تقديم اللجنة العسكرية رقما غير دقيق لعدد المعتقلين، لكن نتائج التحقيقات الأولية قدمت، ما قد يمثل احد التفسيرات المحتملة لسبب تقديم اللجنة رقما يقل عن الرقم الحقيقي بـ"10" أفراد.

 

وكشفت التحقيقات عن مشاركة العشرات من المسلحين المدنيين المؤيدين لعائلة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والمعروفين على نطاق واسع بـ"البلاطجة" في التمرد، وفقا للمصادر التي كشفت عن اعتقال عدد منهم.

ولم تجزم المصادر فيما إذا كان المعتقلون العشرة الذين لم يتضمنهم الرقم المعطى من اللجنة العسكرية من البلاطجة، لكنها لم تستبعد ذلك.

ويخشى لأن يكون هذه صفقة يبرمها طرفا الصراع العسكري، وواجهتهما الحزبية، فيما بينهما عبر اللجنة العسكرية، بين الطرف الذي يمثله صالح ونجله أحمدن والطرف الآخر الممثل بـ"علي محسن الأحمر"، وهي الصفقة التي من المحتمل أن تتضمن اتفاقا على دفن نتائج التحقيقات، وعدم اعلانها على الرأي العام.

 ومن المستبعد أن يتم الكشف عن نتائج التحقيقات للرأي العام من خلال الاعلان عنها عبر وسائل الاعلام الرسمية، كما يفترض في حالة كهذه.

فمن شأن ذلك على الأرجح أن يضع قائد الحرس الجمهوري مع عدد من القادة العاملين تحت امرته، في قفص الاتهام الخاص بالمتمردين العسكريين على الشرعية الدستورية، الممثل برئيس الجمهورية وقائدهم الأعلى عبد ربه منصور هادي.

 

فعلى الرغم من أن الشواهد كلها تقريبا، تشير إلى قيادة الحرس الجمهوري بأصبع الاتهام، بالوقوف وراء التمرد الذي يعاقب عليه القانون اليمني بالإعدام تحت طائلة جريمة الخيانة العظمى، إلا أن نفي قيادة الحرس علاقتها بالتمرد ومنفذيه ظل واقف على قدمين في ظل غياب الادلة الدامغة، وهو الغياب الذي أتاح لها تكريس روايتها الخاصة للتمرد، ليس لدى مؤيدها فحسب، وإنما لدى وسائل الاعلام الدولية والعربية والمحلية بشكل عام.

غير أن نتائج التحقيقات كما تكشف عنها معلومات هذا التقرير، تفوض الرواية السائدة، التي تداولها الاعلام والرأي العام المحلي، طيلة الفترة الماضية من مختلف جوانبها تقريبا، وأبرزها الجانب المتعلق بهوية المتمردين.

فينما يسود الاعتقاد لدى الجميع تقريبا بأن المتمردين كانوا من أفراد اللواء الثاني مشاة، الذين غادروا مواقعهم في أبين، تعبيرا عن رفضهم لقرار هادي، يقول الواقع شيئا آخر.

نتائج التحقيقات الأولية تكشف عن أن أفراد اللواء الثاني مشاة، لم يمثلوا سوى جزء من فريق التمرد، الذي تشكل قوامه من افراد آخرين لا ينتمون إلى هذا اللواء. فعداء عن المسلحين المدنيين "البلاطجة"، تفيد مصادر "الشارع" بمشاركة العشرات من جنود ألوية الحرس الجمهوري المتواجد في صنعاء.

وكشفت المعلومات عن مشاركة العديد من اللواء الرابع حرس جمهوري الذي يعد أكبر ألوية الحرس، والرئيسي بينها، ويقع مقره في معسكر "48" المعروف بـ"معسكر السواد".

مصادر اخرى تحدثت عن تورط وحدات عسكرية أخرى تابعة للحرس الجمهوري في التمرد، مشيرة بالتحديد إلى "القوات الخاصة". لكن المصادر الرئيسية التي أستند عليها هذا التقرير، كما تؤكد هذا الأمر، كما لم تنفه مكتفية بالتأكيد على ما ورد في التحقيقات الأولية التي أجرتها الشرطة العسكرية مع المعتقلين.

وسواء شاركت القوات الخاصة في التمرد أم لم تشارك، فإن التورط المباشر لقيادة الحرس الجمهوري في التمرد، يبدو أمرا مؤكدا وثابتا وفقا لمعلومات هذا التقرير المبني على نتائج التحقيقات الأولية مع المعتقلين. وهذا واقع لا تؤكده مشاركة أفراد من اللواء الرابع حرس، والمسلحين المدنيين البلاطجة" المؤيدة لصالح وعائلته فحسب.

عدا عن تورط أفراد من اللواء الرابع حرس، أثبتت نتائج التحقيقات الأولية، أن مشاركة هؤلاء الأفراد تمت بناء على أوامر مباشرة من قيادتهم. 

فقد كشفت المصادر النقاب على اعتراف المعتقلين بأنهم نفذوا محاولة الاستيلاء على وزارة الدفاع بناء على أوامر عسكرية وجهها إليهم قائد اللواء الرابع.

التورط المباشر لقيادة الحرس الجمهوري في التمرد، يتجاوز حدود مجرد التورط المباشر في عملية تمرد. فعدا عن تورط جنود اللواء الرابع بناء على توجيهات من قائدهم، تقول نتائج التحقيقات الأولية إن قيادة الحرس خططت ورتبت للتمرد بشكل مباشر عبر ممارسة وقائع خطيرة.

 

الواقعة التي أثبتت نتائج التحقيقات اقتراف قيادة الحرس الجمهوري لها هي واقعة تزوير وثائق عسكرية في سياق عملية التخطيط والترتيب للتمرد. فقد كشفت المعلومات عن ضبط الشرطة العسكرية عددا من البطائق العسكرية المزورة لدى من ألقت القبض عليهم من المتمردين.

وأوضحت المصادر أن البطائق المزورة، تعود إلى اللواء الثاني مشاة جبلي، وقد منحت لأفراد لا ينتمون لهذا اللواء من أجل المشاركة في عملية الاستيلاء على وزارة الدفاع، تحت مبرر الانتماء للواء الثاني مشاة، وهو ما أكدته اعترافات المعتقلين طبقا للمصادر.

ولم تدل المصادر حول عدد البطاقات المزورة المضبوطة على وجه التحديد، لكنها توقعت حدوث عملية تزوير واسعة لبطائق مماثلة، تم منحها لأفراد من خارج اللواء الثاني مشاة، من أجل المشاركة في التمرد باسم هذا اللواء، دون أن تتمكن الشرطة العسكرية من ضبطها، أو معرفة عددها لأنها لم تلق القبض سوى على مجموعة من المتمردين، بعد أن تمكنت غالبية المشاركين في التمرد من الفرار.

المصادر أيضا لم تؤكد إذا ما كانت هذه البطائق قد منحت لأفراد اللواء الرابع المشاركين في التمرد أم للمسلحين المدنيين "البلاطجة" غير أنها رجحت أنها منحت لجميع المشاركين في التمرد من خارج اللواء الثاني مشاة.

 

من التورط المباشر لأفراد تابعين للواء الرابع حرس، إلى التورط المباشر لقيادة هذا اللواء، بإعطاء التوجيهات العسكرية للأفراد، إلى التورط المباشر في التخطيط والترتيب للتمرد عبر واقعة تزوير البطائق العسكرية، لا تقوض هذه الوقائع وغيرها فحسب، كل المساعي المبذولة، والتي ما تزال تبذل من قبل قيادة الحرس الجمهوري وعائلة صالح اجمالا، لتكريس أن لا علاقة للحرس الجمهوري وقائده أحمد علي بالتمرد، بل تقوض قصة التمرد السائدة والوحيدة، كما روتها وسائل الدعاية التابعة لقيادة الحرس وعائلة صالح عموما، وعززها صمت بقية الأطراف.

غير أن محاولة الاستيلاء الثانية على وزارة الدفاع، تبدو أكبر بكثير مما هو متصور. فهي لم تكشف عن المدى الذي قد تذهب إليه عائلة صالح في حال اتخذ الرئيس هادي خطوات حقيقة وجادة، تمس نفوذها داخل الجيش في إطار عملية الهيكلة، كما تقضي الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي وقع عليها صالح نفسه، بل كشفت – من خلال ردود فعل بقية الأطراف عليها ومنها تحديدا الطرف المتمثل في اللقاء المشترك وشركائه – كشفت عما قد يشكل متغيرا جديدا في العلاقة بين طرفي الصراع العسكري المتمثل في صالح ونجله أحمد من ناحية وعلي محسن وحلفاؤه من ناحية أخرىن والعلاقة تبعا لذلك بين واجهتيهما السياسيتين: المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك. هذا ما سنحاول ازاحة الستار عنه في تقرير أخر ينشر كمكمل لهذا التقرير يوم غد.

المصدر: صحيفة الشارع 26/08/2012

زر الذهاب إلى الأعلى